منيت نفسي بالغوص في محترف فنان استثنائي هو كرم معتوق، فنان يلفّه الصمت والغياب (رغم حضوره المعنّد عن الاختفاء) وقد يرجع السبب إلى استبداله خارطة الحرب الأهلية (في حمص) بجذور الأمان البولوني، أي موقع دراسته العريق في وارسو.

معرض فادي يازجي بعد طول غياب صامت ليس كبقية المعارض، ليس فقط لبريق تألقه الريادي إنما أيضًا لأصالته المركبة كما سنشير إلى مفاتيحها بعد قليل، وثم غاليريا عشتار التي تعانق درره تختلف بدورها عن نظائرها، وذلك بفضل إدارتها المحترفة.

أثبت متحف "الفنون الأولى" الذي بادر لإنشائه الرئيس جاك شيراك، وأهداه مجموعته من ميراث فنون الهنود الحمر، التي تصل حتى حضارات الأنكا والأزتيك، بأن هذه الفنون سابقة على نظائرها الأوروبية، ومنع منذ ذلك الحين مصطلح ساذج وبدائي..إلخ، في الدراسات الجادة.

هنالك حشد كبير من تصاوير المنمنمات. تهيأ لي جمع صور منها أثناء دراستي لهذا الميدان التراثي. لكن تقاليد الفن العربي الإسلامي لا تفرق بينه وبين الفن التطبيقي، فهنالك سجاجيد لا توضع على الأرض لقيمتها الروحية الذوقية، وإنما تعلق على الجدران.

قادتني إلى هذا العنوان التوليفي مصادفات حدثية، ومناسبات متتابعة، تؤكد ملاحظة إهمال مرجعية الأيقونات المسيحية (بثراء تياراتها وأساليبها وشجرتها التراثية الحبلى بدرر آلاف النماذج) في شتى بقاع العالم المسيحي بما فيه بعض البلدان العربية.

يثير عجبي وإعجابي، منذ أن كنت واحداً من «جماعة العشرة» بدمشق وبصفتي بذلت عمري الفني والأكاديمي لتوثيق الفن العربي (تاريخ لم يكتب بعد)، أنني لم أعثر في صالات مصر ولبنان والعراق، من يبزّ تفرد الخصائص التعبيرية السورية بتنوع مناحيها الإقليمية.

ما إن خُتم المعرض الأول في «غاليري مصطفى علي» (دمشق القديمة)، حتى ابتدأ المعرض التوأم الثاني تحت عنوان نظير «اللوحة الصغيرة»، ونافسه في أهميته، فهو لا يقل مفاجآت سعيدة عن سابقه: «المنحوتة الصغيرة».

تجتمع حالياً على جدران صالة محترف النحات السوري مصطفى علي (دمشق القديمة) لوحات أكثر من عشرة فنانين معروفين، احتفاءً بمسيرة المعلم الأصيل نشأت الزعبي.

الفن عموما يخلصنا من ربقة التقاليد البالية التي تؤخر تطور المجتمعات وتحضرها ودخولها في فكر الأنوار

أشكر معرض زهير دباغ الذي هيّأ لنا فرصة مراجعة إضاءات التعبيرية السورية رغم ما يشوب هامشها من عكر وديماغوجية حزبية منقولة أغلبها عن الرسوم الدعائية الاستهلاكية لمجلات ألمانيّة شرقية قبل سقوط جدار برلين.